خضت مقابلة قبل فترة لأقدم على منحة دراسية. وسألتني اللجنة مجموعة من اﻷسئلة التي وضعتني في موقف صعب لاختبار نفسي في مدى معرفتي بخباياها مثل مواطن الضعف ومواطن القوة والقدرات. والاختبار بالنسبة لي لم يكن في معرفتها وحسب وإنما في التعبير عنها في جمل واضحة وتفصيلية بل وحتى مع استحضار أمثلة ودلائل على ذلك.
وكانت من ضمن اﻷسئلة ما هي اﻷخطاء التي ارتكبتها وتعلمت منها. وكان فهمي للسؤال على أنه: ما هي اﻷخطاء التي سعدت بارتكابها. فاجأتني نفسي عندما ابتسمت ابتسامة عريضة وأجبتهم عن تجاربي بكل سعادة وحماس وكأنها ذكريات جميلة أو كأنها إنجازات افتخر بسردها ورويت لهم أخطائي التي لولاها ما انفتحت لي أبواب واسعة.
تذكرت هذا الموقف اليوم لأنني ارتكبت البارحة خطأ جميلا جعلني اتوقف متأملة مهاراتي وعازمة على تطوير بعضها. كنت في مقابلة مع سيدة فاضلة مختصة في اﻷداء الحكومي. وكنت أود أن أسألها عن اﻷنظمة اﻹمارتية وكيفية عملها. وأرادت أن تساعدني ولكنها لم تستطع ﻷن الخطأ الذي ارتكبته هو أن أسئلتي كانت “عامة” وهذا اﻷسلوب في طرح اﻷسئلة لن يشعر متلقي السؤال بالارتياح ﻷن السؤال العام تصعب اﻹجابة عنه في رد موجز إضافة إلى أنه لن يزودني بمعلومات مفيدة.
واﻵن قررت أن أجهز نفسي قبل أي مقابلة أعقدها بأن أحدد أسئلة تفصيلية انتظر منها أجوبة تخبرني عن أماكن وأسماء وخطوات يمكن اتباعها.
الشاهد من هذه التجربة أنني سعدت بأنني تعلمت هذا الدرس المهم، قد يعني ذلك أنني سعيدة بارتكابي لهذا الخطأ، وبذلك فلن أسميه خطأ، ولن أسميه محاولة، وإنما قد ينطبق عليه مسمى “خلاف التوقع”، وهو مسمى جميل لأنه لن يحصرني في نتائج ما أقوم به بين صحيح وخطأ وبين أبيض وأسود، وإنما هناك نتيجة في تصوري وهناك نتائج كثيرة في تصور غيري، وهذه الاختلافات هي في ذات الوقت فرص لمسارات وخيارات كثيرة، تزيل عني صعوبة الانحصار في المحدود.
هذه المرونة جعلتني أدرك أنها ستطور لدي مهارات الاستماع إلى الآخرين، لأنني أعلم أنه ليس ما لدي صواب لا يحتمل الخطأ وأنه ليس ما لدى غيري خطأ لا يحتمل الصواب. أدركت كذلك أن الاختلافات التي سأواجهها ستفتح أمامي أبواباً من الخيارات المتعددة، لأنه إن خالفني غيري بأمر ما، فإن خلافه فكرة جديدة أضيفها إلى صندوق عدتي، وهذا الإثراء هو نقيض لرفض الاختلاف من البداية.
كانت تلهمني دائماً قصة التلميذ الذي أتى إلى شيخه وقد صنف كتاباً عن الأقوال المختلفة بين الفقهاء، وأخبره أنه سيسميه كتاب “الاختلاف”، فقال له شيخه: “بل سمه كتاب السعة”، فعندما يختلف فقيه في اجتهاده مع آخر فإنه بذلك لم يعارضه، وإنما أضاف خياراً لمن سيتبعه من الأمة.