ابني عمره سنتان ونصف، وقد تكرر منه ضربه للأطفال الآخرين. وضع كهذا في منزلنا الذي تتكرر فيه زيارات الخالات والعمات يعرضني لمحاضرات مكثفة عن ضرورة عقابه وتأنيبه وأنأفكاري التربوية تثبت خطأها بل وأن تهاوني في عقابه من وجهة نظرهم يثير أعصابهم.
والطريف أن لدينا في مجتمعنا اعتقاد بأن الطفل إن أخطأ فإنك ستقوم خطأه بالعقاب والتأنيب، وذلك لأن هذا الأسلوب يؤدي إلى الإيقاف المباشر للخطأ، ولكن السؤال المهم الذي سيأتي بعد أرحت أعصابك بعقاب الطفل هو هل سيؤدي هذا الأسلوب إلى تطوير سلوكه؟ وهل يؤدي فعلا إلى أن يتوقف الطفل عن الضرب والانفعال غدا وما بعده؟
سأدعوكم الآن إلى الوقوف بجانبي ومشاهدة موقف الضرب من زاويتي.
كان ابني يطالع كتاباً، ثم تركه وذهب ليرى شيئاً آخر، وعندما عاد وجده مع طفلة أخرى، ولنسمها شيماء، نظر إليها ابني للحظات ثم صفعها، ثم بكت، فصفعها مرة أخرى.
هل تتوقعون أن النمو اللفظي عند ابني متطور بدرجة أن يقول لشيماء: هذا كتابي ولا أريدك أن تأخذيه؟ أم أن نموه العاطفي متطور لدرجة أن يستوعب في حالة اندهاشه أن كتابه قد أخذه طفل آخر أنه سيتحكم في أعصابه وسيقول لها: لو سمحت أعطيني الكتاب؟
فهل أعاقبه لأن نموه لم يتطور إلى هذا المستوى؟
ولكنني أرى أن هذا الموقف فتح لابني نافذة ليتعلم من خلالها التعبير باللفظ لا بالضرب ويتعلم التحكم في انفعالاته. فحينها سأنزل للجلوس بمستواه بجانب شيماء وأسأله عما يريد، فإن لم يكن قادراً على التعبير عما كان يريده فسأسأله إن كان يريد الكتاب من شيماء، فحينها سأمثل له الدور الذي أريد منه أن يطبقه، وسأصيغ العبارات التي أريده أن يستخدمها عندما يتعرض لهذا الموقف مستقبلاً وسأقول لشيماء: لو سمحت (وقد أكررها) أعطيني الكتاب، وسأصيغ المشاعر المتداولة في الموقف في عبارات يستطيعون استخدامها مستقبلاً مثل أن أقول لابني: أنت “معصب”، وشيماء “زعلانة” وتشعر بالألم، وهي الآن تبكي. كل هذه خطوات أسعى إليها لتكوين لديه ذكاء عاطفي سيجني به الكثير مستقبلاً.
والآن أريد منكم أن تتحولوا معي لتروا الموقف من زاوية الطفل لو تعاملت معه بمبدأ العقاب والتأنيب.
سيأتي هذا الشخص الكبير وسيقف فوقي والمسافة بيني وبين رأسه ما يقارب المتر وكأنه عملاق، وسيتعامل معي بغضب، إذاً بما أن هذا الكبير استخدم هذا الأسلوب معي فسأستخدمه أنا كذلك في المرات القادمة. والأفضع هو أنه إن ضرب الكبير هذا الطفل فسيتأكد لديه أن الضرب وسيلة مشروعة في المجتمع، فأنا والجميع كلنا نضرب. والآن سيأتي هذا الكبير ليعاقبني، ولا أعرف بالضبط ما هو الشيء الذي فعلته لأستحق العقاب، لذلك فأنا إنسان سيء ولذلك أستحق العقاب، وهذا سبب مبرر يجعلني أكرر ضرب الأطفال الآخرين لأنني سيء وهذا ما أقنعني به غيري.
كل ما ذكرته هو شرح للموقف فقط. ولكن هناك الكثير مما يمكني فعله لأهيئ المكان الذي يلعب فيه هؤلاء الصغار ليقلل من التشابك العدواني، بل وهناك أيضاً ما أفعله تجاه الطفلة المتضررة لأعلمها كيف تحمي نفسها مستقبلاً من أي اعتداءات مشابهة.
إن اعتبرت أن ابني لن يستفيد من أسلوبي معه، لكني بالتأكيد لا أريد ذلك اﻷثر السلبي الذي سيخلفه عليه العقاب والتأنيب. قد لا أجني بهذه الخطوات نتيجة سريعة ولكني متأكدة أنها ستؤدي بابني إلى بناء ذكاء عاطفي يتعلم به كيف يميز عواطفه ويتعاطف مع غيره