يوم زايد للعمل الإنساني: يوم نكون فيه خير أمة أخرجت للناس

اتفق العالم علی أن الشيخ زايد من القادة الفريدين علی مر عصور من التاريخ، بل وأنه رحمة أرسلها الله رحمة للبشرية ينشر فيها الخير. وكانت هدية الله للبشرية في شخص الشيخ زايد متمثلة في قلبه الذي حوی نوايا وعزائم صادقة حملها (طيب الله ثراه) في همة عالية، ففتح الله له أبواب التوفيق بل أبواب الزيادة في كل باب يفتح له.

إن كان قد كرمنا الله بأن نكون من بني آدم، واختارنا لأن نكون خلفاء عن الله في أرضه، فإن أكرمنا وخيارنا من قاموا بحق الخلافة، وكان الشيخ زايد رحمه الله من خيرة من أدی مهمة الخلافة عن الله في ارضه وبين عباده، بل أن إحساسه بالمسؤولية تجاه هذه المهمة كان حاضراً في ذهنه ووجدانه في حركاته وسكناته.

وهذا جوهر العمل الإنساني، أن نؤدي حق الخلافة التي ميز الله بها الإنسان عن كافة المخلوقات، بل وأسجد الملائكة لآدم عليه السلام لهذه الميزة. جوهر العمل الإنساني في ان يدرك كل فرد منا مسؤوليته تجاه خلق الله مستخدما ما مكنّه الله منه من قدرات ومن وسائل ومصادر. يستوقني دائماً كلام الشيخ زايد رحمه الله بحرقة عن ضرورة أن يتفكر الإنسان في الرزق الذي أمده الله به، وتعجبه من أن يری الإنسان أن هذا الرزق أوتيه ليتمتع به لنفسه، بينما أراد الرزاق جل جلاله أن يجري هذا الرزق إلى بقية خلقه بواسطة هذا الإنسان.

“يوم زايد للعمل الإنساني” هو ليس مجرد يوم نتذكر فيه أن ننفق من أموالنا أو أن نتطوع بمجهودنا وأوقاتنا، وإنما هو يوم نعزز فيه إنسانيتنا التي نريد أن تقتدي بها الشعوب، إنسانيتنا التي نرى فيها مسؤوليتنا تجاه العالم بنشر الخير الذي ذقناه وتمتعنا به، وهو ليس خير الرفاهية ورغد العيش فحسب، وإنما أن نوصل لهم خير العلوم التي نحصلها والخبرات التي نكتسبها والقيم التي نعززها.

“يوم زايد للعمل الإنساني” هو يوم نتفكر فيه في قول الله تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس” (سورة آل عمران- الآية ١١٠)، لا نكون فيه خير أمة بما فعل أجدادنا، ولا بما توارثناه من أموال، وإنما بوانايانا المخلصة وعزائمنا الصادقة في أن نكون خير خلفاء لله في أرضه وبين عبيده.

وقد وفق الله القادة في هذا البلد المبارك لأن يدركوا هذا المعنی العظيم، فنجد في أبوظبي معهد مصدر الذي تبنی أن يخرج متخصصين “مؤهلين لتغيير العالم”، ونجد مبادرة “سقيا الإمارات” التي توفر أحد أهم أركان الحياة لملايين من البشر، ومشاريع الطاقة المتجددة التي تضع للعالم نموذجاً في حسن التعامل مع المصادر التي سخرها الله لنا واستأمننا عليها. بل نجد توفيق قيادات دولة الإمارات في العمل الإنساني أنهم جعلوا منه هوية للبلاد وشعبها، فتجدهم لا يذكرون أعمال الدولة الإنسانية من باب التفاخر بما أنفقوه رغم أن الكثيرين ممن غيرهم قد اعترفوا بأن الإمارات تعتلي قوائم الدول المانحة، وإنما لا يأتون بذكر المشاريع الإنسانية إلا في سياق مسؤوليتهم تجاهها وأحقيتهم بالأسبقية في المبادرة إليها.

 

من داخل القصر

IMG_6687-1

اكتب حديثي هذا وأنا أنظر إلى أسوار قصر الحصن وأسمع من حولي حديث الناس.. حديث السوالف.. والتحيات.. والرمل تغلغل داخل حذائي وبين أصابع أقدامي.. ورائحة اللقيمات في اﻷجواء..
للتو انتهيت من جولة داخل قصر الحصن.. أشياء كثيرة استوقفتي.. عندما دخلت القصر وجدته في غاية البساطة.. لم أر اﻷرضيات الرخامية ولا الجدران المرصعة بالخطوط والنقوش والفسيفساء. ولكنها طوابيق بنيت من الماء العذب والرمل وخشب أشجار القرم.. فليست جمال المباني ما يصنع اﻷساطير.. ولكن مسيرة رجال تحققوا بمعاني الرجولة هي من صنعت قصة عز ومجد وطن..
كان المكان على بسطته مهيبا..
بينما أمشي في فناء القصر ضمن الجولة بت أستشعر سكانه الذين مشوا على نفس الخطوات التي تمشي عليها قدماي.. وتحدثوا هنا.. وتسامروا هناك.. هنا كانت أنفاسهم ومواقفهم التي صارت تاريخنا اليوم.
واستوقفني كثيرا ما رأيته من المرشدة التي أخذتنا في الجولة و اسمها مضحية المنصوري. كانت راقية التعامل مع الجميع المواطن وغير المواطن.. الكبير والصغير.. وكانت تستقبل جميع اﻷسئلة والتعليقات بصدر رحب وباهتمام حتى أن ممن كانو معنا في الجولة أطفال ويطرحون عليها أسئلة بسيطة وكانت تتفاعل معهم وتجاوب تساؤلاتهم الطفولية بمهنية واهتمام بل وحتى مشاغاباتهم وكثرة حركتهم وثرثرتهم كانت تتعامل معها بكل احترام. ولفت انتباهي أنها تجاوب من يسألها بمعلومات تفصيلية تذكر بها أسماء وأزمان دقيقة بل وتعقب في بعض أجوبتها بذكر اﻷشخاص الذين يمكن الرجوع إليهم لمعرفة المزيد.
ابتهجت كثيرا بتعرفي على وجوه إماراتية تظهر تفاصيل ما حواته طيات التاريخ وجمال كونهم إماراتيين أنهم ينقلون التفاصيل ويمثلون معانيها وجوهرها.

باختصار.. يوما جميلا في مهرجان قصر الحصن.. شكرنا الله فيه على تفضله باختيارنا ضمن أمم شهد التاريخ ﻷسلافها بالخير!!

فانظروا بعدنا إلى الآثار

images

images (1)

 

عندما جلس ساكن قصر الحصن في ساحته.. ورأى أبناءه يلعبون فيها.. ورأى من حوله الرمال على امتداد نظره.. هل طرأ بباله أنه سيأتي يوم يملأ ساحى هذا القصر رجال من صلبه أتو يشاهدون ما بنى والدهم وجاؤوا يستحضرون ما فعل.
وهل جاء بباله أن الرمال التي امتد نظره إليها قد فرشت اليوم أنهارا بيضاء.. أفواجا من البشر جاؤوا يحيون سيرة ما فعل؟
فأي نية صالحة هذه التي جعلت نظرا يراعي ابنا قبل 250 عاما تثمر أبناءا يحملون سيرة هذا الجد الصالح؟ بل هي نية لم ترع طفلا واحدا وإنما رعت كل من امتد من صلبه إلى اليوم.
ونحن اليوم عندما ننشئ أبناءنا.. هل ربيناهم ونحن نرجو أن تظهر تربيتنا في ذراريهم؟ وكيف سيكون الفرق بين أن نربيهم ليعيشوا لحظتهم الآنية وبين أن نربيهم ليحملوا إرثا ثمينا حملناه عمن أتى قبلهم؟
من سكن قصر الحصن ربى أبناءه على حماية مصادر الماء العذب.. على مصدر استمرارية عيشهم في الحياة.. وربما أنه فكر يوما أن هدف ذريته من بعده لن يكون في حفظ مصدر عيشه فقط ولكن في مشاركة غيره مصادر العيش والرخاء.
هذه آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى اﻵثار
واليوم نتساءل ما هي اﻵثار التي سنخلفها لمن بعدنا؟ بل ونسأل بماذا ستدل علينا؟ بل ونسأل إن كانت آثارا سيأتون لمشاهدتها وانتقادنا أم أنها آثار ستبقى ليستنفعوا بها ومن سيأتي بعدهم؟