المنصب الجديد

image

في الماضي كانت هناك صورة شائعة أن التعليم مرتبط بالمؤسسات التعليمية وأن أي متخصص في هذا المجال لن يجد فرصة للعمل إلا في هذه المؤسسات وأن الطالب سينهي تعليمه على مقاعد الدراسة.  ثم جاء عصر المعرفة ليغير كثيرا من الموازين وفرض على الجميع أن يهرعوا إلى تحديث تصوراتهم عن كل شيء في الحياة ﻷن كل شيء قد تغير بسرعة غير مألوفة.

لن نغض النظر عن دور التعليم في تحريك الحضارة إلى التقدم أو التخلف. ولكن عند الحديث عن النظم الحديثة فإن هنالك إشارة إلى كل المهتمين بالعمل في حقل التعليم أن السوق سينفتح لهم ليس فقط في المؤسسات التعليمية بل وإنما في كل مؤسسة مهما كان نوعها والدليل على ذلك أن المؤسسات أصبحت تفرد قسما خاصا للتدريب تفصله عن قسم الموارد البشرية لاستيعاب المسؤولين في الوضع الراهن ﻷهمية التعلم لكل كوظف بدليل أن التطوير المستمر لم يصبح صفة للموظف المميز وإنما مهمة مطالب بها كل موظف في المؤسسة ﻷن الحال الراهن لا يتحمل أن تتوقف معارفك ومهاراتك عند حد معين.

لذلك جاءت الحاجة إلى رؤية الموظفين من زاوية رؤية المعلم لطلابه فتجد أقسام التدريب تعمل على تحديد معايير اﻷداء وتقييم المهارات وتحديد الاحتياجات التدريبية وتصميم مناهج التطوير واضعة في الاعتبار أنها ستدعم كل موظف ليحقق أهداف المؤسسة. المؤسسات العملاقة من شدة اهتمامها بالتدريب فإن لها مدارسها الخاصة في تطوير الموظفين. وبذلك لن تكسب المؤسسة تطوير موظفيها وبالتالي تطوير آلياتها فحسب، وإنما ستكسب ولاء هؤلاء الموظفين وستضاعف إنتاجيتهم ﻷنها ستساهم في أن يكون تعلمهم المربوط بعملهم متجه نحو أهدافهم الشخصية التي تصب في النهاية في أهداف المؤسسة وبذلك سيتجهون إلى تحقيق أهداف المؤسسة بدافع داخلي لا بدافع الخوف من نتيجة التقييم السنوي ولا بدافع الرغبة في الحصول على زيادة في الراتب.

إضافة إلى ذلك لا ننسى ظهور مفهوم الOrganizational Learning والذي يحتم على المؤسسة أن لا تقتصر على تطوير موظفيها باستمرار وحسب وإنما أن تحدث نظمها واﻵليات التي تسير عليها بناء على خبراتها التراكمية التي تمر بها كل يوم.

وهنا برز كرسي عملاق لمنصب جديد سيقوم بإدارة كل هذه العمليات التعليمية والتطويرية في المؤسسة وهو منصب ال Chief Learning Officer، والذي برز عام 1990 وقد استحدثته شركة General Electric. ويشغل هذا الدور شخص متخصص في تطوير وتعليم اﻷفراد ولكنه اليوم لا يعمل في مدرسة ولا في جامعة ﻷن المؤسسات احتاجت أن تضمن مقاعد للدراسة بين مكاتبها.

انتهت اﻵن فترة حصر فكرة التعليم على المدارس، وراجت فكرة التعليم المستمر ﻷن التطور السريع في عصرنا أصبح ﻻ يحتمل الانتظار وﻷن معايير التنافس يرتفع سقفها يوما بعد يوم والمؤسسات عرفت أن التعلم قوة ذات نفوذ منقطع النظير في سوق بات تحطيم الأرقام القياسية فيه أحد المهام اليومية والتغيير المستمر أحد الخصائص الثابتة لكل مؤسسة ففي كل يوم يطرأ لهم وضع جديد يحتاج إلى دراسة وتعلم وتأقلم.

بل وإنني أتوقع أن يتغير مفهوم التعليم جذريا بحيث يتعلم طلبة المدارس كما يتعلم الموظفون فيحددون ما يريدون أن يتعلموه، ويخططون للمسار الذي سيطبقون فيه ما تعلموه بل ويكونون ولاءات تجاه الجهات والمدارس الفكرية التي ينتمي مسارهم التعليمي لها.
وأخيراً سيظهر التعلم بمعناه الجوهري أنه مهمة لمدى الحياة وآمل أن تؤسس النظم التعليمية من مرحلة الروضة على تهيئة المتعلم أن التعلم لن يظل مربوطا بمقعد الدراسة وبجدران المدرسة وإنما هي مهمة يومية يقتات عليها.

جاهد.. تشاهد!!

“الحكومات اﻷفضل هي التي تتبنى الانفتاح”
عبارة قيلت في القمة الحكومية المنعقدة عام 2014..
ذكرتني بما يقوله علماء تزكية النفس من توسيع المشهد.. وأن كلما جاهد اﻹنسان نفسه.. كلما اتسع مشهده.. “جاهد تشاهد”..
قد يبدو للوهلة اﻷولى أن هناك تناقض بين الانفتاح والمجاهدة. قد نعتقد في البداية أن الانفتاح امر سهل وهو كذلك ولكن الانفتاح الذي يعود عليك بكل خيرات ما انفتحت عليه يحتاج إلى مجاهدة نفس.
أولها أن تجاهد نفسك على أن تتواضع وتعرف قدرها وتصغي إلى ما عند اﻵخرين.
وأن تجاهد نفسك على أن لا تعتد برأيك وتصر على أن ما لديك صواب وما عند غيرك خطأ..
أن تجاهد نفسك على أن تظن الخير بكل الناس وتتفحص الخيرية الكامنة في كل شخص وتأخذ من خير ما فيها..
أن تجاهد نفسك في أن تجتهد في البحث عن الخيرية التي أودعها الله فيما حولك..
وأن تجاهد نفسك في أن تؤمن بأن كل من حولك يستحق أن ينال من الخير الذي عندك والخير الذي تعرف عنه..
وأن تجاهد نفسك في أن تحمل هذا الخير إليهم وتفعله في حياتهم..

لذلك.. كنا “خير أمة أخرجت للناس”..

image