التجارة تنشر الثقافة: بضائع “حق الليلة” تملأ الأسواق

حق الليلة


يتضايق الكثير من تحويل الاحتفال بـ “حق الليلة” من مناسبة اجتماعية ودينية إلى متاجرة بكل ما يمت الصلة بها. ولكني أحب كثيراً أن أرى أي بضائع تتعلق بثقافتنا تملأ الأسواق، خصوصاً إذا كانت هذه البضائع متعلقة بمناسبة فضيلة تعكس فضيلة دينية، وعادة اجتماعية جميلة.

قد تتفق معي أيها القارئ أن مناسبات الثقافات الأخرى قد وصلت إلى أسواقنا، فلا بد أن تجد في كل أنواع الأسواق التي نرتادها في بلادنا بضائع تعكس ثقافة أعياد الميلاد، والهالوين، بل وحتى رأس السنة الصينية، وقد يشتري المتسوق هذه البضائع وهو لا يعرف المناسبة التي تمثلها، قد يكون اشتراها لأنه أحب شكل الغزال الذي يسحب العربة فوق الجليد، أو لأنه يحب “القرع” أو لأنه يحب اللون الأحمر، ولكنه أخذ لمسة من الثقافة التي تمثلها البضاعة التي اشتراها، بل وسيمر عليها نظره كل يوم مادامت متواجدة في منزله.

فالآن عندما وصلت البضائع التي تمثل جوانب من ثقافتنا مثل الأكياس التي تستخدم في احتفالات حق الليلة، والأقمشة التي عليها النقوش القديمة وتلك التي عليها تصاميم “بوتيله”، والفوانيس التي تمثل شهر رمضان، والأعلام الإماراتية التي تمثل احتفالات اليوم الوطني، كل هذه البضائع تنشر للمتسوقين جوانب من ثقافتنا ارتبطت بفضائل سامية مثل الولاء للوطن وصلة الرحم، وإدخال الفرح على قلوب الأطفال والكرم والعطاء وغيرها من الفضائل المضمنة في مناسبة “حق الليلة” على سبيل المثال. وسيغمرني الفرح إذا رأيت عربياً أو آسيوياً أو أجنبياً يستخدم بضاعة تمثل هذه المناسبة، وسأفرح أكثر إن استخدم هذه البضاعة في بلاده، وسيتضاعف فرحي إن رأيته أهدى أصدقاءه شيئاً من هذه البضائع.

لو تفكرنا في كيفية انتشار الإسلام في العالم، نجد أن أكثر انتشاره كان عن طريق التجار الذين حملوا بضائعهم ليبيعوها حول العالم، فصارت البضائع ممثلة للعالم الإسلامي، بل وأن ذلك التاجر المسلم الذي يبيعها كان سفيراً لدينه عندما مارس نشاطه التجاري بأسلوب يمثل رقي الدين، بل حتى أن أكثر تركز للمسلين تجده في شرق آسيا، ومن المعروف لدى المؤرخين أن الإسلام لم ينتشر في تلك المناطق بالفتوحات وإنما عن طريق الدعاة المسلمين الذين مارسوا التجارة هناك، وهم في الأصل قد اتجهوا إلى تلك المناطق ليحملوا أرقى بضاعة، وهي نشر دين الإسلام، وكانوا خير ممثلين للدين بأخلاقهم، ثم ارتبطت بهذه الأخلاق البضائع التي كانوا يسوقونها في تلك البلدان.

واليوم إذا انتشرت البضائع التي تمثل ثقافتنا إلى العالم، لن يقتصر استخدامها على المشتري الذي استحسن ألوانها أو شكلها أو رواجها في الأسواق، وإنما سيأتي المؤرخون والمتبحرون في تخصصات مثل الأنثروبولوجيا والمهتمون بتاريخ الشرق الأوسط ليجعلوا أمثال هذه البضائع محاور أبحاثهم وستتركز أسألتهم عن الغرض الذي من أجله ظهرت هذه البضائع إلى حيز الاستخدام وستظهر في أجوبة هذه الأسئلة أنها تم تصنيعها لتخدم مناسبات بسيطة في مراسمها ولكن عميقة في معانيها وعالية في رقيها. ثم سيمتد تساؤل هؤلاء الباحثون إلى ارتباط أمثال هذه البضائع بالتفاصيل المادية المتعلقة بها مثل صلتها بمنطقتنا الجغرافية، وسبب اختيارنا للألوان التي تحملها هذه البضائع والمعاني التي تحملها النقوش التي تزينها وغير ذلك من التفاصيل الجميلة المرتبطة بهويتنا وثقافتنا، تماماً كما تم دراسة البضائع المصنعة من قبل الشعوب القديمة كالأطباق الصينية والأقمشة الهندية.

والآن أحب أن أعرض عليكم بعض صوراً لبضائع سعدت برؤيتها تتداول في الأسواق حتى وصلت إلينا، وقد التقطت هذه الصور من احتفالاتنا البارحة بمناسبة “حق الليلة”.